کد مطلب:187331
شنبه 1 فروردين 1394
آمار بازدید:235
و سلاحه البکاء (27)
كمن یجمع الثمار المتساقطة من شجرة تعصف بها الریح من كل مكان، كان «ابن الزبیر» یراقب ما حوله و یجمع حوله الغاضبین علی «یزید» بینما شجرة الاسلام تهتز من الجذور.
كان «المختار» قد وصل حدیثا بعد ما أطلق سراحه فی الكوفة؛ رجل دفعته الأقدار لمساندة «ابن الزبیر» لا لشی ء سوی الثورة علی الظلم و الانتقام من قتلة أولاد الأنبیاء.
بدا ابن الزبیر سعیدا بتحالفه مع المختار، هتف ابن الزبیر بحلیفه الجدید:
- هیا بنا الی طریق القوافل... لقد بعثت من یأتینی بالأخبار.
قال المختار و هو یحدق فی الأفق البعید حیث تلتقی السماء بالأرض:
- أری فارسا قادما من بعید.
- أجل انه هو.
مرت لحظات یحسبها المنتظرون ساعات طویلة كان صدی
[ صفحه 103]
سنابك الحصان یرتفع شیئا فشیئا و الغبرة تقترب رویدا حتی اذا أصبح علی خطوات كبح الفارس جماح حصانه و هتف مبهور الأنفاس:
- دخل الجیش المدینة و استباحها ثلاثة أیام و قتل أكثر من عشرة آلاف من أهلها.. و عرض النسوة للبیع فی الأسواق.
عض المختار علی نواجذه غضبا:
- اللعنة علی المری.. لم أر أكثر منه جرأة علی الدماء.
قال الفارس:
- انتقم الله منه... مات بعد مغادرة المدینة و عین علی الجیش «الحصین بن نمیر» و أوصاه بالفتك بأهل مكة.
تمتم «ابن الزبیر»:
- الحصین لا یحتاج الی من یوصیه، انه لا یقل قسوة عن أسیاده.
التفت المختار الی صاحبه:
- ماذا تنوی أن تفعل؟
- نعتصم بالحرم فربما تردعهم حرمة الكعبة.
- ولكن هؤلاء لا یقیمون للكعبة وزنا!!
- سوف نری.. كما انه لیس بمقدورنا أن نفعل شیئا آخر.
و تمر الأیام ثقیلة مریرة، و لیالی مكة تموج بالقلق و الهم و الترقب، و السماء تنوء بسحب سوداء كتلال من الدخان.
وصلت الجیوش الغازیة، و أخذت مواقعها فوق رؤوس التلال
[ صفحه 104]
المشرفة و علی سفوح الجبال.
الجنود ینقلون المنجنیقات لتأخذ مواقعها فی القمم استعدادا لقصف المدینة التی بدت ذلك الصباح القاتم مقفرة تماما.
كان «الحصین بن نمیر» قائد الغزو یتطلع الی مكة و قد بدت الكعبة فی فنائها كشیخ یتعبد وحیدا.
نظر الی المنجنیقات الهائلة والی كتل الحجارة المنقوعة بزیت النار.. كل شی ء ینتظر اللحظة الفاصلة.
لوح ابن نمیر بسوطه فی الهواء معلنا بدایة المعركة و هتف بحماس:
- اقصفوهم بالمجانیق.
و انهمرت كتل ناریة علی بیوت المدینة و كان خط النار یقترب شیئا فشیئا من أول بیت وضع للناس... بیت بناه ابراهیم و اسماعیل.
كانت خطة الاحتلال تقضی بدك المدینة بالمجانیق ثم اقتحامها بسلاح الفرسان تساندهم قوات المشاة.
كانت حدة القصف تتصاعد و عینا القائد تشتعلان حقدا.
حاول ابن الزبیر بث الخلاف فی صفوف الغزاة. فأصدر أمرا بالاعتصام بالحرم.
كانت كتل النار تهوی فی واد غیر ذی زرع؛ زعق ابن نمیر و هو یری فتور القصف:
- اقصفوهم بشدة.
هتف جندی:
[ صفحه 105]
- انهم یعتصمون بالكعبة؟!
- اقصفوا الكعبة اذن... أیها الأحمق.
و أردف مبررا:
- نحن ننفذ أمر الخلیفة.. هل تفهم؟
كانت كتل النار تنفجر فی باحة الحرم.. تتشظی.. و شبت النار فی جدران الكعبة، و كانت السماء تشهد اصطكاك الغیوم فاشتعلت البروق و ضربت الصواعق منجنیقا فأحرقته مع جنود كانوا حوله.
أراد ابن نمیر حسم الموقف بدفع فرسانه و أعقبهم بالمشاة.
دارت معارك ضاریة فی الحرم، و قد شوهد المختار یقاتل ببسالة و هو یهتف فی جنوده:
- دافعوا عن بیت الله.
و فی ذری التلال كان ابن نمیر یتلقی نبأ وصله توا من دمشق:
- لدی نبأ هام أیها القائد.
- تكلم!!
لقد توفی الخلیفة.
بلع القائد ریقه و حشرج بصوت مكتوم:
- ماذا تقول؟!.. اكتم الخبر ما استطعت.
غیر ان خبرا كهذا لا یمكن اخفاؤه.. لكأن روح الشیطان تتراجع منذ اللحظة التی ذهب فیها یزید الی مصیره المجهول فی رحلة صید.
[ صفحه 106]